أرشيف الناشر
فسحة:
قراءة في التقاطع الصوفي المغربي – الأندلسي : فضاء التاريخ وتاريخ الفضاء

عبد الاله بن التباع
قليلا هي الأحداث التي تسجل لكرونولوجية الأمكنة في امتداداتها التاريخية، وغالبا أيضا ما نكتفي بالقراءات الأحادية الجاهزة والتي تجعل من الأنا محورا للسرد أو للتحليل وخاصة إذا تعلق الأمر باستعراض زاوية من زوايا تاريخنا الذي لم يقدم لحد الآن بالشكل العلمي المطلوب. كماأن مفهوم الرحلات في تاريخنا الإسلامي بشكل عام أو تاريخنا المغربي بشكل خاص ، لازال حبيس التصنيف الكلاسيكي الذي يضعها في خانة السرد الأدبي .
في هذا السياق أثارني فضول إصدار متميز للفاعل والباحث الجمعوي الأستاذ جمال الشرقاوي السلامي تحت عنوان :
جمعية أبي الجعد 2001 بالأندلس : أوراق من مذكرات فاعل جمعوي
الإصدار من الحجم المتوسط ، يقع في 123 صفحة أراد له صاحبه ان يعيد قراءة القواسم المشتركة بين الفضاءات الروحية المغربية والأندلسية، قدم له الشاعر احمد الإمام : ( من باب سوق بجعد الحالمة. إلى الأندلس الفيحاء الناعمة، مسجلا إضافات نوعية لأدب الرحلة، دون القفز على توابثه وأعلامه ، بمكنيزمات بسيطة، سهلة ممتنعة.. ما يجعل القارئ العاشق يعيش بكل جوارحه، زمكانية هذه المذكرات بتمفصلاتها السردية والنقدية الجادة التي أسست لعدد وافر من الايجابيات..)
لقد حاول المؤلف استنطاق الفضاءات الأندلسية على ضوء ما راكمته جوانبها من أسرار لملوك الطوائف من بني الأحمر وغيرهم من زعماء الزمن العربي الجميل والجريح من هذه الزاوية الجغرافية الأوربية. . وهذا ما يجذبك في هذا المؤلف الذي صادفت أحداثه ووقائعه ثلاثة رسائل سياسية وطنية للبعض منها امتداداته الدولية:
*أولها: أن هذا الإبداع السردي جاء عقب دعوة وجهت الى جمعية أبي الجعد – 2001 التي أسسها حبيب المالكي برلماني مدينة أبي الجعد والقيادي الاتحادي والمسؤول الحكومي السابق، وهي ذات الجمعية التي تحمل فيها صاحب الكتاب أدوارا مهمة ومتعددة المحاور منها الإشراف على ترميم الجزء الأصيل من أبي الجعد.. دعوة من مركز الدراسات القروية والفلاحة الدولية لمدينة فلانسيا .CERAI
ثانيها: كون الزيارة الى الاندلس من 21 ماي الى 28 منه 2000 تزامنت مع تحمل الاتحاد الاشتراكي لمسؤولية تدبير الشأن العام برئاسة الاستاذ عبد الرحمان اليوسفي.
وثالثها: انطلاقة حركية المجتمع المدني في المغرب خلال انطلاق تجربة التناوب التوافقي ولعل نشاط جمعية ابي الجعد 2001 لمؤشر جد ايجابي على ذلك.
على ضوء هذه الحيثيات السياسية والجمعوية وفي سياقها العام، عمل الأستاذ الشرقاوي السلامي جمال على إضفاء البعد السوسيولوجي على العلاقة التاريخية التي جمعت منطقة الغرب الاسلامي تحت راية المد الاسلامي وخاصة الفكري والروحي منه وذلك عبر الحكي الدقيق والمفصل للوقائع والإحداث يشعر عبرها القارئ بزفرات الحسرة عن ضياع ذاكرة جغرافية ظلت تشكل إلهاما حقيقيا للتراث الشفهي والمكتوب المشترك ما بين العالمين الاسلامي والمسيحي قائلا : ..من زار الاندلس، ولو منطقة منها ، سيفتن بسحر طبيعتها ومعمارها، وينصهر في تقاليد أناسها ، وأكيد سيغرف من ثقافتها..) ويبدو أن القاسم الثقافي المشترك كان يسائل نفسه منذ انطلاق هذه الرحلة المدونة بكل عناية وتدقيق ومغادرة ابي الجعد يوم 21 ماي 2000 الى حين انتهاء اللقاء الدراسي بفلانسيا مرورا بمالقا وغرناطة بقصر حمرائها الشهير الذي يعطي الاشارة القوية عن التعايش الاسلامي القبطي في هذا الجزء من اسبانيا عبر قصبتها الشهيرة ونافوراتها التي تحيلك على نافورة البحتري.. الحضور الصوفي العربي – الاسلامي في هذه المعلمة التاريخية المتميزة تجسده عبارة ولا غالب الا الله.
وما بين مدينة البسيطي وقرطبة بجامعها الشامخ المزركش بعدة آيات من القران الكريم، كان الوادي الكبير حاضرا بتدفق مياهه وبعزة اسمه العربي في اتجاه مدينة الزهراء الفيحاء. وزيارة مسجد لا ماسكيدا ، فضاءات تحمل عمقا صوفيا اسلاميا صرفا يحيلنا وبدون أدنى شك على نظيراتها المغربية خلال هذه الفترة وبعدها في حواضرنا التقليدية : جامعة القرويين وضريح المولى إدريس بفاس الحالمة، قبور السعديين والكتيبة بمراكش، ضريح وصومعة حسان بالرباط، القبة المحمدية ومسجد المولى سليمان وضريح ابي عبيد الله محمد الشرقي مؤسس مدينة ابي الجعد.. واذا كانت الصوفية حاضرة بطابعها المغربي الصرف الى يومنا هذا بالمغرب الأقصى، إلا أن بعض فضاءاتها تركت للنسيان ينطبق عليها قول ابي البقاء الرندي كما ورد في هذه الرحلة ص 101:
حيث المساجد قد صارت كنائس ما فيهن الا النواقيس وصلبان
حتى المحاريب تبكي وهي جامدة حتى المنابر تبكي وهي عيدان
إنها رحلة أندلسية بامتداداتها المغربية الإسلامية الصوفية على امتداد 10 أيام تستحق أكثر من قراءة واستنطاق لتاريخ يحاول البعض ان يجعله مغبونا في ذاكرتنا، وإن كان ذلك غير ممكن فبدون ذاكرة لا يمكن الحديث عن الغد..